هاني حقق حلم حياته يوم وفاته والحسن والحسين نورهما النجاح
ريحانة.. حكم عليها الأطباء بالموت في سن العاشرة فحصلت على البكالوريا وهي على أبواب التخرج في الجامعة
تشهد بكالوريا جوان 2013 حالة خاصة؛ حيث سيجتاز التوأم الكفيف الحسن والحسين فروج المتمدرسان في ثانوية عباس الغرور في مدينة باتنة امتحان البكالوريا وكلاهما عازم على أن ينيرا حياتهما وحياة والديهما بالنجاح، وخاصة والدهما السيد محمد الصالح فروج، الذي أنهكته مشاكل الحياة، بعد أن أظلم بصرُهما منذ ولادتهما كما قالا لـ"الشروق"، وتعيش معهما معلمتهما السيدة هنية مسعودان حلم النجاح، خاصة أن كل نسخة من شهادة البكالوريا في الجزائر تشهد تحقيق العشرات من المكفوفين والمكفوفات النجاح الباهر.
وكانت عائلة بركاني القاطنة بمدينة قالمة قد عاشت في شهر جويلية 2012 فاجعة حقيقية، اختلط فيها الحزنُ الدفين بالبهجة الكبرى، ضمن معادلة من الأحاسيس الغريبة، واجتمع فيها التحدي الكبير الباهر بالحسرة والخيبة، بعد أن لقي الطالب الثانوي هاني بركاني الذي كان قد احتفل بعيد ميلاده الـ18حتفه، في نفس اليوم الذي أعلن فيه ديوان الامتحانات عن نجاحه، حيث استعملت عائلته رقم تسجيله فعلمت بنجاحه، وعجزت عائلة هاني عن التعامل مع هاته الصدمة العنيفة.
[هاني بركاني]
الأبوان وهما في نفس الوقت أبناء عمومة، شعرا بالذنب رغم أن الزواج قدر والمرض قدر والموت قدر، أما شقيقته وشقيقه الأكبر فراحا يذكران الأيام التي قضياها مع شقيقهما هاني المعوّق، الذي كان لا همّ له في الدنيا سوى النجاح وتحدّي المرض، هاني ولد معوّقا على مستوى جميع الأطراف، وزاده وضع القفص الصدري المتركز على رئتيه وقلبه ألما وإعاقة، فصار لا يكاد يقوى على التنفس، وكثيرا ما يدخل في غيبوبة تُبعده عن الدراسة لعدة أسابيع، وتجعله على حافة الموت، إلى درجة أنه كان يودِّع والديه أحيانا، ويطلب من أصدقائه الصفح رغم أنه لم يرتكب في حقهم أي أذى، ومع ذلك يتحدى الموت ويعدُ والديه وشقيقيه بأن يتفوق في البكالوريا ويشرّف العائلة ولو على مشارف الموت، كان يتحدى الأطباء الذين كتبوا شهادة وفاته قبل أن يبلغ سن العاشرة، حيث قال غالبيتهم أن هاني لن يهنأ بحياته ولن يبلغ سن الشباب أبداً، أما أن يدرس ويحقق النجاح فتلك حكاية غير واردة إطلاقا، بل إن طبيبا مشهورا في قالمة قال لوالديه لما أدخلاه المدرسة الابتدائية في سن السادسة في الصف الأول إبتدائي، إنه سيموت قبل أن يحصل على شهادة السنة السادسة للانتقال إلى المتوسط، ولكن هاني تحدى كل التكهنات وواصل سبيله غير آبه بأحكام الموت التي صدرت في حقه من الأطباء الذين كان يحلم أن يمنحوه الأمل فمنحوه الألم المضاعف.
وعندما بلغ موعد البكالوريا في دورة جوان 2012 أصر على اجتياز الامتحان، واعتمد في ذلك على أساتذة الحراسة الذين ساعدوه في نقل إجاباته على الورقة، وكان يدرس قبلها طوال العام في ثانوية محجوب عبد الرحمان في قلب مدينة ڤالمة، لم يكن قادرا حتى على الجلوس بل يدرس وهو مستلق على الفراش، فقدّم صورة من التحدي الذي أدهش زملاءه وأساتذته الذين علموا بنجاحه رغم معدل نجاحه المتوسط الذي بلغ 10.43، وأقامت عائلته عشاء العزاء بدلا عن عشاء الفرحة والابتهاج، في الوقت الذي كانت زغاريد عائلات الناجحين تتعالى في نفس الحي وبعضهم من أصدقائه في الدراسة الذين يتواجدون حاليا على مقاعد الدراسة في مختلف الجامعات والفروع الدراسية، هاني الذي كانت هوايته قراءة كتب السيرة النبوية الشريفة وسيرة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وجمع النقود القديمة، كان يحلم بأن يدرس الشريعة في الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة، حتى يحقق شغفه بالتعمق في حياة خير خلق الله وصحابته الكرام، ولكنه في آخر أيامه عندما أقعده المرض صار يقول إنه سيكتفي بدراسة العلوم الإنسانية أو التاريخ في جامعة ولايته ڤالمة، لأنه كان يدرك أنه لن يلقى الرعاية إلا من والديه.. منظر زميلاته في حي يحيى مغمولي، وهن يبكين وزملاؤه ويقسمون بأن يحتفلوا بنجاحه، ومنظرهم الآن وهم يذكرونه ويتحسرون لأنه لم يلتحق بهم في الجامعة كان دليلا على أن هاني ترك بصمة في حياته وفي مماته التراجيدي..
تتذكر أمه كيف صلّى في يوم إعلان نتائج البكالوريا صلاة الفجر معها ووعدها بأن يحفظ القرآن كله، وقرر أن يصوم لاستقبال خبر نجاحه وهو طاهر، فاستقبلته الآخرة وهو طاهر، فرحل ولكن ذكراه رغم مرور أكثر من عشرة أشهر من وفاته ما زال على بال الجميع من طلبة وأساتذة.
أما قصة ريحانة العايب القاطنة بالخروب بولاية قسنطينة، فقد بدأت منذ أن ولدت عام 1987 بشهادة وفاة، وولدت ثانية بشهادة حياة عندما نجحت في امتحان البكالوريا. ريحانة، هي حكاية ألم بدأت في 9 ديسمبر 1987 بالخروب بولاية قسنطينة، عندما أبصرت النور كأول العنقود لوالديها حياة وعلي العايب، رضعت الألم، وضيّعت والديها في أدغال مرضها الذي اتفق الأطباء على أنه غريب، ثم ضيّعوهما أكثر، عندما حكموا على الصغيرة ريحانة بالموت في سن الثامنة، بسبب العيب الخِلقي في قلبها، حيث ينبض قلبها من دون بُطين بخلاف كل قلوب الناس.
كانت تحلم بحياة عادية، أن تلعب مثل أترابها من الأطفال، أن تدخل مدرسة حيّها مثل كل الأطفال، أو على الأقل تمشي وتصعد إلى الطابق الثالث من العمارة التي تقطنها، من دون مساعدة والديها، أو أشقائها الأربعة، وعندما بلغ موعد البكالوريا كان ألمُها أن لزميلاتها القدرة على المراجعة، وهي لا تستطيع حتى الجلوس.
كل هذه الآمال المحطِّمة للمعنويات هانت، ولكن الألم الذي ظل يعتصرها أنها سمعت كلمة الموت لأول مرة في حياتها، من شفتي طبيب أمراض القلب بمستشفى بوسماعيل بالعاصمة، وكانت هي المقصودة بكلمة الموت، وعندما يقترب الموت تصبح البكالوريا أبعد من كل الأحلام، لم تنعم بالدراسة النظامية حيث عاشت مستلقية على فراشها إلى أن تحدّت البكالوريا وحصلت على معدل 12.21، ثم قهرت المرض مرة أخرى بمواصلة دراستها الجامعية، وهي حاليا على مشارف التخرج بعد أن بلغت سن الخامسة والعشرين في انتظار تحديات أخرى وفي انتظار الموت في أي لحظة، ولكن بإيمان قوي بأن الذي يميت ويحيي هو الله وحده، واصلت إعلان تحدّي فريد من نوعه، مكّن ريحانة برغم الداء والأعداء، من أن تحقق ما عجز عنه الأصحّاء، وتحلّق كحمامة الأمل فوق القمة الشمّاء، وتجمع عددا من الشهادات، وهي الآن على بعد أيام من شهادة الليسانس في قسم الإعلام بجامعة قسنطينة، رغم أنها تقطع يوميا قرابة الستين كيلومترا ذهابا وإيابا بين بيتها وكُلّيتها، تدفع من جهدها الكثير.. ومن قلبها كل ما تمتلكه من أنفاس.
والدتها السيدة حياة، حلمت بصديقة تسافر معها وتتفسح معها، ولكن الحلم، تحوّل إلى كوابيس، وسفريات لا تنتهي في مستشفيات الجزائر، وأيضا في مستشفيات بروكسل العاصمة البلجيكية، وكانت الكلمة اللازمة التي تسمعها في كل رحلة مع صديقتها الأبدية ريحانة فلذة كبدها في العذاب، هي على الدوام: "لا أمل، الموت مصير ابنتك"، علّمت السيدة حياة ابنتها التحدّي، وتعلمت منها التحدي أيضا، ولكنها تبقى مدينة لابنتها التي أفرحتها بالنجاح في البكالوريا.
أما والدها يتنهد وهو يذكر أن أصعب ما في الحياة أن تنتظر مولودا ليمنحك الحياة، فيمنحك بدلا عنه العذاب كله، السيد علي الذي عانى الفاقة، وجد نفسه مجبراً على أن يعيش يومه لابنته ريحانة، يتكفل بنقلها إلى الجامعة، ويحملها رضيعة، وصبية وشابة نحو الطابق الثالث، ويحمل معه آلامها وآمالها، كلهم حكموا عليها بالموت، منذ أن حلّت ضيفة خجولة على الحياة، كان يريد أن يعلمها، فعلَّمته هي التحدي منذ أن أسقطت غول البكالوريا بالضربة القاضية، ضمن درس جاهز يمكن أن يتعلم منه الأصحاء قبل المرضى..
ريحانة.. حكم عليها الأطباء بالموت في سن العاشرة فحصلت على البكالوريا وهي على أبواب التخرج في الجامعة
تشهد بكالوريا جوان 2013 حالة خاصة؛ حيث سيجتاز التوأم الكفيف الحسن والحسين فروج المتمدرسان في ثانوية عباس الغرور في مدينة باتنة امتحان البكالوريا وكلاهما عازم على أن ينيرا حياتهما وحياة والديهما بالنجاح، وخاصة والدهما السيد محمد الصالح فروج، الذي أنهكته مشاكل الحياة، بعد أن أظلم بصرُهما منذ ولادتهما كما قالا لـ"الشروق"، وتعيش معهما معلمتهما السيدة هنية مسعودان حلم النجاح، خاصة أن كل نسخة من شهادة البكالوريا في الجزائر تشهد تحقيق العشرات من المكفوفين والمكفوفات النجاح الباهر.
وكانت عائلة بركاني القاطنة بمدينة قالمة قد عاشت في شهر جويلية 2012 فاجعة حقيقية، اختلط فيها الحزنُ الدفين بالبهجة الكبرى، ضمن معادلة من الأحاسيس الغريبة، واجتمع فيها التحدي الكبير الباهر بالحسرة والخيبة، بعد أن لقي الطالب الثانوي هاني بركاني الذي كان قد احتفل بعيد ميلاده الـ18حتفه، في نفس اليوم الذي أعلن فيه ديوان الامتحانات عن نجاحه، حيث استعملت عائلته رقم تسجيله فعلمت بنجاحه، وعجزت عائلة هاني عن التعامل مع هاته الصدمة العنيفة.
[هاني بركاني]
الأبوان وهما في نفس الوقت أبناء عمومة، شعرا بالذنب رغم أن الزواج قدر والمرض قدر والموت قدر، أما شقيقته وشقيقه الأكبر فراحا يذكران الأيام التي قضياها مع شقيقهما هاني المعوّق، الذي كان لا همّ له في الدنيا سوى النجاح وتحدّي المرض، هاني ولد معوّقا على مستوى جميع الأطراف، وزاده وضع القفص الصدري المتركز على رئتيه وقلبه ألما وإعاقة، فصار لا يكاد يقوى على التنفس، وكثيرا ما يدخل في غيبوبة تُبعده عن الدراسة لعدة أسابيع، وتجعله على حافة الموت، إلى درجة أنه كان يودِّع والديه أحيانا، ويطلب من أصدقائه الصفح رغم أنه لم يرتكب في حقهم أي أذى، ومع ذلك يتحدى الموت ويعدُ والديه وشقيقيه بأن يتفوق في البكالوريا ويشرّف العائلة ولو على مشارف الموت، كان يتحدى الأطباء الذين كتبوا شهادة وفاته قبل أن يبلغ سن العاشرة، حيث قال غالبيتهم أن هاني لن يهنأ بحياته ولن يبلغ سن الشباب أبداً، أما أن يدرس ويحقق النجاح فتلك حكاية غير واردة إطلاقا، بل إن طبيبا مشهورا في قالمة قال لوالديه لما أدخلاه المدرسة الابتدائية في سن السادسة في الصف الأول إبتدائي، إنه سيموت قبل أن يحصل على شهادة السنة السادسة للانتقال إلى المتوسط، ولكن هاني تحدى كل التكهنات وواصل سبيله غير آبه بأحكام الموت التي صدرت في حقه من الأطباء الذين كان يحلم أن يمنحوه الأمل فمنحوه الألم المضاعف.
وعندما بلغ موعد البكالوريا في دورة جوان 2012 أصر على اجتياز الامتحان، واعتمد في ذلك على أساتذة الحراسة الذين ساعدوه في نقل إجاباته على الورقة، وكان يدرس قبلها طوال العام في ثانوية محجوب عبد الرحمان في قلب مدينة ڤالمة، لم يكن قادرا حتى على الجلوس بل يدرس وهو مستلق على الفراش، فقدّم صورة من التحدي الذي أدهش زملاءه وأساتذته الذين علموا بنجاحه رغم معدل نجاحه المتوسط الذي بلغ 10.43، وأقامت عائلته عشاء العزاء بدلا عن عشاء الفرحة والابتهاج، في الوقت الذي كانت زغاريد عائلات الناجحين تتعالى في نفس الحي وبعضهم من أصدقائه في الدراسة الذين يتواجدون حاليا على مقاعد الدراسة في مختلف الجامعات والفروع الدراسية، هاني الذي كانت هوايته قراءة كتب السيرة النبوية الشريفة وسيرة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وجمع النقود القديمة، كان يحلم بأن يدرس الشريعة في الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر بقسنطينة، حتى يحقق شغفه بالتعمق في حياة خير خلق الله وصحابته الكرام، ولكنه في آخر أيامه عندما أقعده المرض صار يقول إنه سيكتفي بدراسة العلوم الإنسانية أو التاريخ في جامعة ولايته ڤالمة، لأنه كان يدرك أنه لن يلقى الرعاية إلا من والديه.. منظر زميلاته في حي يحيى مغمولي، وهن يبكين وزملاؤه ويقسمون بأن يحتفلوا بنجاحه، ومنظرهم الآن وهم يذكرونه ويتحسرون لأنه لم يلتحق بهم في الجامعة كان دليلا على أن هاني ترك بصمة في حياته وفي مماته التراجيدي..
تتذكر أمه كيف صلّى في يوم إعلان نتائج البكالوريا صلاة الفجر معها ووعدها بأن يحفظ القرآن كله، وقرر أن يصوم لاستقبال خبر نجاحه وهو طاهر، فاستقبلته الآخرة وهو طاهر، فرحل ولكن ذكراه رغم مرور أكثر من عشرة أشهر من وفاته ما زال على بال الجميع من طلبة وأساتذة.
أما قصة ريحانة العايب القاطنة بالخروب بولاية قسنطينة، فقد بدأت منذ أن ولدت عام 1987 بشهادة وفاة، وولدت ثانية بشهادة حياة عندما نجحت في امتحان البكالوريا. ريحانة، هي حكاية ألم بدأت في 9 ديسمبر 1987 بالخروب بولاية قسنطينة، عندما أبصرت النور كأول العنقود لوالديها حياة وعلي العايب، رضعت الألم، وضيّعت والديها في أدغال مرضها الذي اتفق الأطباء على أنه غريب، ثم ضيّعوهما أكثر، عندما حكموا على الصغيرة ريحانة بالموت في سن الثامنة، بسبب العيب الخِلقي في قلبها، حيث ينبض قلبها من دون بُطين بخلاف كل قلوب الناس.
كانت تحلم بحياة عادية، أن تلعب مثل أترابها من الأطفال، أن تدخل مدرسة حيّها مثل كل الأطفال، أو على الأقل تمشي وتصعد إلى الطابق الثالث من العمارة التي تقطنها، من دون مساعدة والديها، أو أشقائها الأربعة، وعندما بلغ موعد البكالوريا كان ألمُها أن لزميلاتها القدرة على المراجعة، وهي لا تستطيع حتى الجلوس.
كل هذه الآمال المحطِّمة للمعنويات هانت، ولكن الألم الذي ظل يعتصرها أنها سمعت كلمة الموت لأول مرة في حياتها، من شفتي طبيب أمراض القلب بمستشفى بوسماعيل بالعاصمة، وكانت هي المقصودة بكلمة الموت، وعندما يقترب الموت تصبح البكالوريا أبعد من كل الأحلام، لم تنعم بالدراسة النظامية حيث عاشت مستلقية على فراشها إلى أن تحدّت البكالوريا وحصلت على معدل 12.21، ثم قهرت المرض مرة أخرى بمواصلة دراستها الجامعية، وهي حاليا على مشارف التخرج بعد أن بلغت سن الخامسة والعشرين في انتظار تحديات أخرى وفي انتظار الموت في أي لحظة، ولكن بإيمان قوي بأن الذي يميت ويحيي هو الله وحده، واصلت إعلان تحدّي فريد من نوعه، مكّن ريحانة برغم الداء والأعداء، من أن تحقق ما عجز عنه الأصحّاء، وتحلّق كحمامة الأمل فوق القمة الشمّاء، وتجمع عددا من الشهادات، وهي الآن على بعد أيام من شهادة الليسانس في قسم الإعلام بجامعة قسنطينة، رغم أنها تقطع يوميا قرابة الستين كيلومترا ذهابا وإيابا بين بيتها وكُلّيتها، تدفع من جهدها الكثير.. ومن قلبها كل ما تمتلكه من أنفاس.
والدتها السيدة حياة، حلمت بصديقة تسافر معها وتتفسح معها، ولكن الحلم، تحوّل إلى كوابيس، وسفريات لا تنتهي في مستشفيات الجزائر، وأيضا في مستشفيات بروكسل العاصمة البلجيكية، وكانت الكلمة اللازمة التي تسمعها في كل رحلة مع صديقتها الأبدية ريحانة فلذة كبدها في العذاب، هي على الدوام: "لا أمل، الموت مصير ابنتك"، علّمت السيدة حياة ابنتها التحدّي، وتعلمت منها التحدي أيضا، ولكنها تبقى مدينة لابنتها التي أفرحتها بالنجاح في البكالوريا.
أما والدها يتنهد وهو يذكر أن أصعب ما في الحياة أن تنتظر مولودا ليمنحك الحياة، فيمنحك بدلا عنه العذاب كله، السيد علي الذي عانى الفاقة، وجد نفسه مجبراً على أن يعيش يومه لابنته ريحانة، يتكفل بنقلها إلى الجامعة، ويحملها رضيعة، وصبية وشابة نحو الطابق الثالث، ويحمل معه آلامها وآمالها، كلهم حكموا عليها بالموت، منذ أن حلّت ضيفة خجولة على الحياة، كان يريد أن يعلمها، فعلَّمته هي التحدي منذ أن أسقطت غول البكالوريا بالضربة القاضية، ضمن درس جاهز يمكن أن يتعلم منه الأصحاء قبل المرضى..